ومن المعلوم أن قصة موسى وما جري له مع فرعون وغيره، أعظم وأشرف من قصة يوسف بكثير كثير؛ ولهذا هي أعظم قصص الأنبياء التي تذكر في القرآن، ثناها الله أكثر من غيرها، وبسطها وطولها أكثر من غيرها، بل قصص سائر الأنبياء ـ كنوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم من المرسلين ـ أعظم من قصة يوسف؛ ولهذا ثني الله تلك القصص في القرآن ولم يثن قصة يوسف؛ وذلك لأن الذين عادوا يوسف لما يعادوه على الدين، بل عادوه عداوة دنيوية، وحسدوه على محبة أبيه له وظلموه، فصبر واتقي الله، وابتلي ـ صلوات الله عليه ـ بمن ظلمه وبمن دعاه إلى الفاحشة، فصبر واتقي الله في هذا وفي هذا، وابتلي أيضًا بالملك، فابتلي بالسراء والضراء فصبر واتقي الله في هذا وهذا، فكانت قصته من أحسن القصص، وهي/أحسن من القصص التي لم تقص في القرآن، فإن الناس قد يظلمون ويحسدون ويدعون إلى الفاحشة ويبتلون بالملك، لكن ليس من لم يذكر في القرآن ممن اتقي الله وصبر مثل يوسف، ولا فيهم من كانت عاقبته أحسن العواقب في الدنيا والآخرة مثل يوسف.
وهذا كما أن قصة أهل الكهف وقصة ذي القرنين كل منهما هي في جنسها أحسن من غيرها. فقصة ذي القرنين أحسن قصص الملوك، وقصة أهل الكهف أحسن قصص أولياء الله الذين كانوا في زمن الْفِتْرَةِ.