فقوله تعالى :﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عليكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ [ يوسف : ٣ ] يتناول كل ما قصه في كتابه، فهو أحسن مما لم يقصه، ليس المراد أن قصة يوسف أحسن ما قص في القرآن. وأين ما جري ليوسف مما جري لموسى ونوح وإبراهيم وغيرهم من الرسل ؟ ! وأين ما عودي أولئك مما عودي فيه يوسف ؟ ! وأين فضل أولئك عند الله وعلو درجتهم من يوسف ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ؟ وأين نصر أولئك من نصر يوسف ؟ فإن يوسف كما قال الله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ يوسف : ٥٦ ]، وأذل الله الذين ظلموه ثم تابوا، فكان فيها من العبرة أن المظلوم المحسود إذا صبر واتقي الله، كانت له العاقبة، وأن الظالم الحاسد قد/ يتوب الله عليه ويعفو عنه، وأن المظلوم ينبغي له العفو عن ظالمه إذا قدر عليه.
وبهذا اعتبر النبي ﷺ يوم فتح مكة لما قام على باب الكعبة وقد أذل الله له الذين عادوه وحاربوه من الطلقاء ـ فقال :( ماذا أنتم قائلون ؟ ) فقالوا : نقول : أخ كريم، وابن عم كريم. فقال :( إني قائل لكم كما قال يوسف لإخوته :﴿ لاَ تَثْرَيبَ عليكُمُ اليوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [ يوسف : ٩٢ ] ). وكذلك عائشة لما ظُلِمَتْ وافْتُري عليها وقيل لها : إن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه، فقالت في كلامها : أقول كما قال أبو يوسف :﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [ يوسف : ١٨ ]. ففي قصة يوسف أنواع من العبرة للمظلوم والمحسود والمبتلي بدواعي الفواحش والذنوب وغير ذلك.