والألفاظ نوعان : نوع يوجد في كلام الله ورسوله، ونوع لا يوجد في كلام الله ورسوله، فيعرف معنى الأول، ويجعل ذلك المعنى هو الأصل، ويعرف ما يعنيه الناس بالثاني، ويرد إلى الأول. هذا طريق أهل الهدى والسنة، وطريق أهل الضلال والبدع بالعكس، يجعلون الألفاظ التي أحدثوها ومعانيها هي الأصل، ويجعلون ما قاله الله ورسوله تبعًا لهم، فيردونها بالتأويل والتحريف إلى معانيهم، ويقولون : نحن نفسر القرآن بالعقل واللغة ـ يعنون أنهم يعتقدون معنى بعقلهم ورأيهم ـ ثم يتأولون القرآن عليه بما يمكنهم من التأويلات والتفسيرات المتضمنة لتحريف الكلم عن مواضعه، ولهذا قال الإمام أحمد : أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس. وقال : يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأصلين : المجمل والقياس. وهذه الطريق يشترك فيها جميع أهل البدع الكبار والصغار، /فهي طريق الجهمية والمعتزلة ومن دخل في التأويل من الفلاسفة والباطنية الملاحدة.
وأما حذاق الفلاسفة فيقولون : إن المراد بخطاب الرسول ﷺ إنما هو أن يخيل إلى الجمهور ما ينتفعون به في مصالح دنياهم، وإن لم يكن ذلك مطابقا للحق ـ قالوا : وليس مقصود الرسول ﷺ بيان الحق وتعريفه، بل مقصوده أن يخيل إليهم ما يعتقدونه. ويجعلون خاصة النبوة قوة التخييل، فهم يقولون : إن الرسول ﷺ لم يبين، ولم يفهم، بل ولم يقصد ذلك. وهم متنازعون : هل كان يعلم الأمور على ما هي عليه ؟ على قولين :