منهم من قال : كان يعلمها، لكن ما كان يمكنه بيانها، وهؤلاء قد يجعلون الرسول أفضل من الفيلسوف. ومنهم من يقول : بل ما كان يعرفها، أو ما كان حاذقًا في معرفتها، وإنما كان يعرف الأمور العملية. وهؤلاء يجعلون الفيلسوف أكمل من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأمور العملية أكمل من العلمية، فهؤلاء يجعلون خبر الله وخبر الرسول ﷺ إنما فيه التخييل، وأولئك يقولون : لم يقصد به التخييل، ولكن قصد معنى يعرف بالتأويل، وكثير من أهل الكلام الجهمية يوافق أولئك على أنه ما كان يمكنه أن يبوح بالحق في باب التوحيد، فخاطب الجمهور بما يخيل لهم، كما يقولون : إنه لو قال :/إن ربكم ليس بداخل العالم ولا خارجه، ولا يشار إليه، ولا هو فوق العالم، ولا كذا ولا كذا لنفرت قلوبهم عنه، وقالوا : هذا لا يعرف. قالوا : فخاطبهم بالتجسيم، حتى يثبت لهم رباً يعبدونه، وإن كان يعرف أن التجسيم باطل. وهذا يقوله طوائف من أعيان الفقهاء المتأخرين المشهورين الذين ظنوا أن مذهب النفاة هو الصحيح، واحتاجوا أن يعتذروا عما جاء به الرسول ﷺ من الإثبات، كما يوجد في كلام غير واحد.


الصفحة التالية
Icon