والمقصود هنا أن كل طائفة تعتقد من الآراء ما يناقض ما دل عليه القرآن، يجعلون تلك النصوص من المتشابه، ثم إن كانوا ممن يرى الوقف عند قوله :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ ﴾ [ آل عمران : ٧ ]، قالوا : لا يعلم معناها إلا الله، فيلزم ألا يكون محمد وجبريل ولا أحد علم معاني تلك الآيات والأخبار، وإن رأوا أن الوقف على قوله :﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ [ آل عمران : ٧ ]، جعلوا الراسخين يعلمون ما يسمونه هم تأويلاً. ويقولون : إن الرسول ﷺ إنما لم يبين الحق بخطابه ليجتهد الناس في معرفة الحق من غير جهته بعقولهم وأذهانهم، ويجتهدون في تخريج ألفاظه على اللغات العربية، فيجتهدون في معرفة غرائب اللغات التي يتمكنون بها من التأويل. وهذا إن قالوا : إنه قصد بالقرآن والحديث معنى حقًا في نفس الأمر، وإن قالوا بقول الفلاسفة والباطنية الذين لا يرون التأويل، قالوا : لم يقصد بهذه الألفاظ إلا ما يفهمه العامة/والجمهور، وهو باطل في نفس الأمر، لكن أراد أن يخيل لهم ما ينتفعون به، ولم يمكنه أن يعرفهم الحق، فإنهم كانوا ينفرون عنه ولا يقبلونه، وأما من قال من الباطنية الملاحدة وفلاسفتهم بالتأويل، فإنه يتأول كل شيء مما أخبرت به الرسل ـ من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر ـ ثم يؤولون العبارات كما هو معروف من تأويلات القرامطة الباطنية.


الصفحة التالية
Icon