وأبو حامد في [ الإحياء ] ذكر قول هؤلاء المتأولين من الفلاسفة وقال : إنهم أسرفوا في التأويل، وأسرفت الحنابلة في الجمود، وذكر عن أحمد بن حنبل كلامًا لم يقله أحمد، فإنه لم يكن يعرف ما قاله أحمد، ولا ما قاله غيره من السلف في هذا الباب، ولا ما جاء به القرآن والحديث، وقد سمع مضافًا إلى الحنابلة ما يقوله طائفة منهم، ومن غيرهم من المالكية والشافعية، وغيرهم في الحرف والصوت. وبعض الصفات مثل قولهم : إن الأصوات المسموعة من القراء قديمة أزلية، وإن الحروف المتعاقبة قديمة الأعيان، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا ويخلو منه العرش، حتى يبقى بعض المخلوقات فوقه، وبعضها تحته ـ إلى غير ذلك من المنكرات ـ فإنه ما من طائفة إلا وفي بعضهم من يقول أقوالاً ظاهرها الفساد، وهي التي يحفظها من ينفر عنهم، ويشنع بها عليهم، وإن كان أكثرهم ينكرها ويدفعها ـ كما في هذه المسائل المنكرة التي يقولها بعض أصحاب أحمد ومالك والشافعي ـ فإن جماهير هذه الطوائف /ينكرها، وأحمد وجمهور أصحابه منكرون لها.
وكلامهم في إنكارها وردها كثير جدًا، لكن يوجد في أهل الحديث مطلقًا من الحنبلية وغيرهم من الغلط في الإثبات أكثر مما يوجد في أهل الكلام، ويوجد في أهل الكلام من الغلط في النفي أكثر مما يوجد في أهل الحديث؛ لأن الحديث إنما جاء بإثبات الصفات ليس فيه شيء من النفي الذي انفرد به أهل الكلام، والكلام المأخوذ عن الجهمية والمعتزلة مبنى على النفي المناقض لصرائح القرآن والحديث، بل والعقل الصريح ـ أيضًا ـ لكنهم يَدَّعون أن العقل دل على النفي، وقد ناقضهم طوائف من أهل الكلام، وزادوا في الإثبات ـ كالهشامية والكرامية وغيرهم ـ لكن النفي في جنس الكلام المبتدع الذي ذمه السلف أكثر.