والمنتسبون إلى السنة من الحنابلة وغيرهم ـ الذين جعلوا لفظ التأويل يعم القسمين ـ يتمسكون بما يجدونه في كلام الأئمة في المتشابه مثل قول أحمد في رواية حنبل ولا كيف ولا معنى، ظنوا أن مراده أنا لا نعرف معناها. وكلام أحمد صريح بخلاف هذا في غير موضع، وقد بين أنه إنما ينكر تأويلات الجهمية ـ ونحوهم ـ الذين يتأولون القرآن على غير تأويله، وصنف كتابه في [ الرد على الزنادقة والجهمية ] فيما أنكرته من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله، فأنكر عليهم تأويل القرآن/ على غير مراد الله ورسوله، وهم إذا تأولوه يقولون : معنى هذه الآية كذا، والمكيفون يثبتون كيفية، يقولون : إنهم علموا كيفية ما أخبر به من صفات الرب، فنفي أحمد قول هؤلاء، وقول هؤلاء ـ قول المكيفة الذين يدعون أنهم علموا الكيفية ـ وقول المحرفة الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، ويقولون : معناه كذا وكذا.
وقد كتبت كلام أحمد بألفاظه -كما ذكره الخَلاَّلُ في كتاب [ السنة ] وكما ذكره من نقل كلام أحمد بإسناده في الكتب المصنفة في ذلك -في غير هذا الموضع، وبين أن لفظ التأويل في الآية إنما أريد به التأويل في لغة القرآن، كقوله تعالى :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ [ الأعراف : ٥٣ ].
وعن ابن عباس في قوله :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ ﴾ : تصديق ما وعد في القرآن. وعن قتادة ﴿ تَأْوِيلَهُ ﴾ : ثوابه. وعن مجاهد : جزاءه. وعن السدى : عاقبته. وعن ابن زيد : حقيقته. قال بعضهم :﴿ تَأْوِيلَهُ ﴾ : ما يؤول إليه أمرهم من العذاب وورود النار.


الصفحة التالية
Icon