وقال قبل هذا :﴿ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ﴾ [ يوسف : ٣٧ ] أي : قبل أن يأتيكما التأويل. والمعنى : لا يأتيكما طعام ترزقانه في المنام لما قال أحدهما :﴿ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا ﴾ [ يوسف : ٣٦ ]، ﴿ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ ﴾ في اليقظة ﴿ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ﴾ الطعام، هذا قول أكثر المفسرين، وهو الصواب. وقال بعضهم ﴿ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ ﴾ : تطعمانه وتأكلانه، ﴿ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ ﴾ : بتفسيره وألوانه، أي طعام أكلتم ؟ وكم أكلتم ؟ ومتى أكلتم ؟ فقالوا : هذا فعل العرافين والكهنة، فقال : ما أنا بكاهن، وإنما ذلك العلم مما يعلمني ربي. وهذا القول ليس بشيء، فإنه قال :﴿ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ ﴾ وقد قال أحدهما :﴿ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ﴾ فطلبا منه تأويل ما رأياه، وأخبرهما بتأويل ذاك، ولم يكن تأويل الطعام في/اليقظة، ولا في القرآن أنه أخبرهما بما يرزقانه في اليقظة، فكيف يقول قولا عاما :﴿ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ ﴾ وهذا الإخبار العام لا يقدر عليه إلا الله، والأنبياء يخبرون ببعض ذلك، لا يخبرون بكل هذا.
وأيضًا، فصفة الطعام وقدره ليس تأويلاً له.