ولهذا صارت متشابهة، فإن الذي معه شركاء يقول : فعلنا نحن كذا، وإنا نفعل نحن كذا، وهذا ممتنع في حق الله ـ تعالى ـ والذي له مماليك ومطيعون يطيعونه ـ كالملك ـ يقول : فعلنا كذا، أي : أنا/فعلت بأهل ملكى وملكى، وكل ما سوى الله مخلوق له مملوك له، وهو ـ سبحانه ـ يدبر أمر العالم بنفسه، وملائكته التي هي رسله في خلقه وأمره، وهو ـ سبحانه ـ أحق من قال : إنا ونحن بهذا الاعتبار، فإن ما سواه ليس له ملك تام، ولا أمر مطاع طاعة تامة، فهو المستحق أن يقول :[ إنا ]، و [ نحن ]، والملوك لهم شبه بهذا، فصار فيه ـ أيضًا ـ من المتشابه معنى آخر، ولكن الذي ينسب لله من هذا الاختصاص لا يماثله فيه شيء، وتأويل ذلك معرفة ملائكته وصفاتهم وأقدارهم، وكيف يدبر بهم أمر السماء والأرض، وقد قال تعالى :﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [ المدثر : ٣١ ]، فهذا التأويل لهذا المتشابه لا يعلمه إلا هو، وإن علمنا تفسيره ومعناه، لكن لم نعلم تأويله الواقع في الخارج، بخلاف قوله :﴿ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [ الأعراف : ٥٤ ]، فإنها آية محكمة ليس فيها تشابه، فإن هذا الاسم مختص بالله، ليس مثل [ إنا ] و [ نحن ] التي تقال لمن له شركاء، ولمن له أعوان يحتاج إليهم، والله ـ تعالى ـ منزه عن هذا وهذا، كما قال :﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ ﴾ [ سبأ : ٢٢ ]، وقال :﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [ الإسراء : ١١١ ]، فالمعنى الذي يراد به هذا في حق المخلوقين لا يجوز أن يكون نظيره ثابتًا لله؛ فلهذا صار متشابهًا.


الصفحة التالية
Icon