وكذلك قوله :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [ الأعراف : ٥٤ ]، فإنه قد قال :﴿ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ﴾ [ هود : ٤٤ ]، وقال :﴿ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ﴾ [ الفتح : ٢٩ ]، وقال :﴿ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ ﴾ [ المؤمنون : ٢٨ ]، وقال :﴿ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ﴾ [ الزخرف : ١٣ ]، فهذا الاستواء كله يتضمن حاجة المستوى إلى المستوى عليه، وأنه لو عدم من تحته لخر، والله ـ تعالى ـ غنى عن العرش، وعن كل شيء، بل هو ـ سبحانه ـ بقدرته يحمل العرش، وحملة العرش، وقد روى أنهم إنما أطاقوا حمل العرش لما أمرهم أن يقولوا : لا حول ولا قوة إلا بالله.
فصار لفظ الاستواء متشابهًا يلزمه في حق المخلوقين معاني ينزه الله عنها، فنحن نعلم معناه، وأنه العلو والاعتدال، لكن لا نعلم الكيفية التي اختص بها الرب التي يكون بها مستويًا من غير افتقار منه إلى العرش، بل مع حاجة العرش، وكل شيء محتاج إليه من كل وجه، وأنا لم نعهد في الموجودات ما يستوى على غيره مع غناه عنه وحاجة ذلك المستوى علىه إلى المستوى، فصار متشابهًا من هذا الوجه، فإن بين اللفظين والمعنىين قدرًا
مشتركًا، وبينهما قدرًا فارقاً هو مراد في كل منهما، ونحن لا نعرف الفارق الذي امتاز الرب به، فصرنا نعرفه من وجه، ونجهله من وجه، وذلك هو تأويله، والأول هو تفسيره.


الصفحة التالية
Icon