أحدهما : أن يكون في الآية قراءتان : قراءة من يقف على قوله :[ إلا الله ]، وقراءة من يقف عند قوله :﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾، وكلتا القراءتين حق، ويراد بالأولى : المتشابه في نفسه الذي استأثر الله بعلم تأويله، ويراد بالثانية : المتشابه الإضافي الذي يعرف الراسخون تفسيره، وهو تأويله، ومثل هذا يقع في القرآن كقوله :﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ [ إبراهيم : ٤٦ ]، و ﴿ لِتَزُولَ ﴾ فيه قراءتان مشهورتان بالنفي والإثبات، وكل قراءة لها معنى صحيح.
وكذلك القراءة المشهورة :﴿ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ﴾ [ الأنفال : ٢٥ ]، وقرأ طائفة من السلف :[ لتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ] وكلا القراءتين حق، فإن الذي يتعدى حدود الله هو الظالم وتارك الإنكار عليه قد يجعل غير ظالم لكونه لم يشاركه، وقد يجعل ظالمًا باعتبار ما ترك من الإنكار الواجب، وعلى هذا قوله :﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٦٥ ]، فأنجى الله الناهين. وأما أولئك الكارهون للذنب الذين قالوا :﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ﴾ [ الأعراف : ١٦٤ ]، فالأكثرون على أنهم نجوا؛ لأنهم كانوا كارهين، فأنكروا بحسب قدرتهم.
وأما من ترك الإنكار مطلقًا فهو ظالم يعذب، كما قال النبي ﷺ :( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ). وهذا الحديث موافق للآية.