والمقصود هنا أنه يصح النفي والإثبات باعتبارين، كما أن قوله :﴿ لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ﴾ أي : لا تختص بالمعتدين، بل يتناول من رأي المنكر فلم يغيره، ومن قرأ :[ لتصيبن الذين ظلموا منكم/ خاصة ] أدخل في ذلك من ترك الإنكار مع قدرته عليه، وقد يراد بذلك أنهم يعذبون في الدنيا، ويبعثون على نياتهم، كالجيش الذين يغزون البيت فيخسف بهم كلهم، ويحشر المكره على نيته.
والجواب الثاني : القطع بأن المتشابه المذكور في القرآن هو تشابهها في نفسها اللازم لها، وذاك الذي لا يعلم تأويله إلا الله، وأما الإضافي الموجود في كلام من أراد به التشابه الإضافي، فمرادهم أنهم تكلموا فيما اشتبه معناه وأشكل معناه على بعض الناس، وأن الجهمية استدلوا بما اشتبه عليهم وأشكل، وإن لم يكن هو من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، وكثيرًا ما يشتبه على الرجل ما لا يشتبه على غيره.
ويحتمل كلام الإمام أحمد أنه لم يرد إلا المتشابه في نفسه، الذي يلزمه التشابه، لم يرد بشيء منه التشابه الإضافي، وقال : تأولته على غير تأويله، أي : غير تأويله الذي هو تأويله في نفس الأمر، وإن كان ذلك التأويل لا يعلمه إلا الله، وأهل العلم يعلمون أن المراد به ذلك التأويل، فلا يبقى مشكلًا عندهم محتملًا لغيره؛ ولهذا كان المتشابه في الخبريات إما عن الله، وإما عن الآخرة، وتأويل هذا كله لا يعلمه إلا الله، بل المحكم من القرآن قد يقال : له تأويل كما للمتشابه تأويل، كما قال :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ ﴾ [ الأعراف : ٥٣ ]، ومع هذا فذلك التأويل لا يعلم وقته وكيفيته إلا الله. وقد يقال : بل التأويل للمتشابه؛ لأنه في الوعد /والوعيد، وكله متشابه. وأيضًا، فلا يلزم في كل آية ظنها بعض الناس متشابهًا أن تكون من المتشابه.


الصفحة التالية
Icon