فقول أحمد : احتجوا بثلاث آيات من المتشابه، وقوله : ما شكت فيه من متشابه القرآن، قد يقال : إن هؤلاء أو أن أحمد جعل بعض ذلك من المتشابه وليس منه، فإن قول الله تعالى :﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ [ آل عمران : ٧ ]، لم يرد به هنا الإحكام العام والتشابه العام الذي يشترك فيه جميع آيات القرآن، وهو المذكور في قوله :﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فصلتْ ﴾ [ هود : ١ ]، وفي قوله :﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ [ الزمر : ٢٣ ]، فوصفه هنا كله بأنه متشابه، أي : متفق غير مختلف، يصدق بعضه بعضًا، وهو عكس المتضاد المختلف المذكور في قوله :﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ﴾ [ النساء : ٨٢ ]، وقوله :﴿ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ﴾ [ الذاريات : ٨، ٩ ]، فإن هذا التشابه يعم القرآن، كما أن إحكام آياته تعمه كله، وهنا قد قال :﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾، فجعل بعضه محكمًا وبعضه متشابهًا، فصار التشابه له معنيان، وله معنى ثالث وهو الإضافي. يقال : قد اشتبه علينا هذا، كقول بنى إسرائيل :﴿ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ﴾ [ البقرة : ٧٠ ]، وإن كان في نفسه متميزًا منفصلًا بعضه عن بعض. وهذا من باب اشتباه الحق/ بالباطل، كقوله ﷺ في الحديث :( الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس )، فدل ذلك على أن من الناس من يعرفها، فليست مشتبهة على جميع الناس، بل على بعضهم، بخلاف ما لا يعلم تأويله إلا الله، فإن الناس كلهم مشتركون في عدم العلم بتأويله، ومن هذا ما يروي عن المسيح ـ


الصفحة التالية
Icon