عليه السلام ـ أنه قال : الأمور ثلاثة : أمر تبين رشده فاتبعوه، وأمر تبين غيه فاجتنبوه، وأمر اشتبه عليكم فكلوه إلى عالمه.
فهذا المشتبه على بعض الناس يمكن الآخرين أن يعرفوا الحق فيه ويبينوا الفرق بين المشتبهين، وهذا هو الذي أراده من جعل الراسخين يعلمون التأويل، فإنه جعل المشتبهات في القرآن من هذا الباب الذي يشتبه على بعض الناس دون بعض، ويكون بينهما من الفروق المانعة للتشابه ما يعرفه بعض الناس. وهذا المعنى صحيح في نفسه لا ينكر. ولا ريب أن الراسخين في العلم يعلمون ما اشتبه على غيرهم. وقد يكون هذا قراءة في الآية كما تقدم، من أنه يكون فيها قراءتان؛ لكن لفظ التأويل على هذا يراد به التفسير. ووجه ذلك أنهم يعلمون تأويله من حيث الجملة، كما يعلمون تأويل المحكم، فيعرفون الحساب والميزان والصراط والثواب والعقاب، وغير ذلك مما أخبر الله به ورسوله معرفة مجملة، فيكونون عالمين بالتأويل، وهو ما يقع في الخارج على هذا/الوجه، ولا يعلمونه مفصلًا، إذ هم لا يعرفون كيفيته وحقيقته، إذ ذلك ليس مثل الذي علموه في الدنيا وشاهدوه، وعلى هذا يصح أن يقال : علموا تأويله، وهو معرفة تفسيره، ويصح أن يقال : لم يعلموا تأويله، وكلا القراءتين حق.
وعلى قراءة النفي هل يقال ـ أيضًا ـ : إن المحكم له تأويل لا يعلمون تفصيله ؟ فإن قوله : وما يعلم تأويل ما تشابه منه إلا الله لا يدل على أن غيره يعلم تأويل المحكم، بل قد يقال : إن من المحكم ـ أيضًا ـ ما لا يعلم تأويله إلا الله، وإنما خص المتشابه بالذكر؛ لأن أولئك طلبوا علم تأويله، أو يقال : بل المحكم يعلمون تأويله لكن لا يعلمون وقت تأويله ومكانه وصفته.


الصفحة التالية
Icon