فأجاب الآخرون عن هذا بأن الله قال :﴿ لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [ الحشر : ٨ ]، ثم قال :﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ ﴾ [ الحشر : ٩ ]، ثم قال :﴿ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ﴾ [ الحشر : ١٠ ]، قالوا : فهذا عطف مفرد على مفرد، والفعل حال من المعطوف فقط، وهو نظير قوله :﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ﴾، قالوا : ولأنه لو كان المراد مجرد الوصف بالإيمان لم يخص الراسخين، بل قال : والمؤمنون يقولون : آمنا به، فإن كل مؤمن يجب عليه أن يؤمن به، فلما خص الراسخين في العلم بالذكر علم أنهم امتازوا بعلم تأويله، فعلموه لأنهم عالمون، وآمنوا به لأنهم يؤمنون، وكان إيمانهم به مع العلم أكمل في الوصف، وقد قال عقيب ذلك :﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْباب ﴾ [ آل عمران : ٧ ]، وهذا يدل على أن هنا تذكرًا يختص به أولو الألباب، فإن كان ما ثم إلا الإيمان بألفاظ فلا يذكر لما يدلهم على ما أريد بالمتشابه.
ونظير هذا قوله في الآية الأخرى :﴿ لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾ [ النساء : ١٦٢ ]، فلما وصفهم بالرسوخ في العلم، وأنهم يؤمنون، قرن بهم المؤمنين، فلو أريد هنا مجرد الإيمان لقال : والراسخون في العلم والمؤمنون يقولون : آمنا به، كما قال في تلك الآية لما كان مراده مجرد الإخبار بالإيمان جمع بين الطائفتين.