قالوا : وأما الذم فإنما وقع على من يتبع المتشابه لابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله، وهو حال أهل القصد الفاسد الذين يريدون القدح في القرآن فلا يطلبون إلا المتشابه لإفساد القلوب، وهي فتنتها به، ويطلبون تأويله وليس طلبهم لتأويله لأجل العلم والاهتداء، بل هذا /لأجل الفتنة، وكذلك صبيغ بن عسل ضربه عمر؛ لأن قصده بالسؤال عن المتشابه كان لابتغاء الفتنة، وهذا كمن يورد أسئلة وإشكالات على كلام الغير، ويقول : ماذا أريد بكذا ؟ وغرضه التشكيك والطعن فيه، ليس غرضه معرفة الحق، وهؤلاء هم الذين عناهم النبي ﷺ بقوله :( إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ) ؛ ولهذا ﴿ يَتَّبِعُونَ ﴾ أي : يطلبون المتشابه ويقصدونه دون المحكم، مثل المتبع للشيء الذي يتحراه ويقصده. وهذا فعل من قصده الفتنة، وأما من سأل عن معنى المتشابه ليعرفه ويزيل ما عرض له من الشبه ـ وهو عالم بالمحكم متبع له، مؤمن بالمتشابه، لا يقصد فتنة ـ فهذا لم يذمه الله. وهكذا كان الصحابة يقولون ـ رضي الله عنهم ـ : مثل الأثر المعروف الذي رواه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني وقد ذكره الطلمنكي : حدثنا يزيد بن عبد ربه، ثنا بقية، ثنا عتبة بن أبي حكيم، ثنى عمارة بن راشد الكناني، عن زياد، عن معاذ بن جبل قال : يقرأ القرآن رجلان : فرجل له فيه هوى ونية يفليه فلي الرأس، يلتمس أن يجد فيه أمرًا يخرج به على الناس، أولئك شرار أمتهم، أولئك يعمي الله عليهم سبل الهدى. ورجل يقرؤه ليس فيه هوى ولا نية يفليه فلي الرأس فما تبين له منه عمل به، وما اشتبه عليه وكله إلى الله، ليتفقهن فيه فقهًا ما فقهه قوم قط، حتى لو أن أحدهم مكث عشرين سنة، فليبعثن الله له من يبين له الآية التي أشكلت عليه، أو يفهمه إياها من قبل نفسه. قال /بقية : أشهدني ابن عيينة حديث عتبة هذا.


الصفحة التالية
Icon