فهذا معاذ يذم من اتبع المتشابه لقصد الفتنة، وأما من قصده الفقه فقد أخبر أن الله لابد أن يفقهه بفهمه المتشابه فقهًا ما فقهه قوم قط : قالوا : والدليل على ذلك أن الصحابة كانوا إذا عرض لأحدهم شبهة في آية أو حديث سأل عن ذلك، كما سأله عمر فقال : ألم تكن تحدثنا أنا نأتى البيت ونطوف به ؟ وسأله ـ أيضًا ـ عمر : ما بالنا نقصر الصلاة وقد أمنا ؟ ولما نزل قوله :﴿ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ]، شق عليهم وقالوا : أينا لم يظلم نفسه حتى بين لهم، ولما نزل قوله :﴿ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ ﴾ [ البقرة : ٢٨٤ ]، شق عليهم حتى بين لهم الحكمة في ذلك، ولما قال النبي ﷺ :( من نوقش الحساب عذب ) قالت عائشة : ألم يقل الله :﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [ الانشقاق : ٨ ] قال :( إنما ذلك العرض ).
قالوا : والدليل على ما قلناه إجماع السلف، فإنهم فسروا جميع القرآن. وقال مجاهد : عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقفه عند كل آية وأسأله عنها، وتلقوا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن ـ عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود وغيرهما ـ أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ﷺ عشر آيات لم يجاوزوها حتى/يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا، وكلام أهل التفسير من الصحابة والتابعين شامل لجميع القرآن، إلا ما قد يشكل على بعضهم فيقف فيه، لا لأن أحدًا من الناس لا يعلمه، لكن لأنه هو لم يعلمه.


الصفحة التالية
Icon