وأيضًا، فلفظ التأويل يكون للمحكم، كما يكون للمتشابه، كما دل القرآن والسنة وأقوال الصحابة على ذلك، وهم يعلمون معنى المحكم فكذلك معنى المتشابه. وأي فضيلة في المتشابه حتى ينفرد الله بعلم معناه والمحكم أفضل منه وقد بين معناه لعباده، فأي فضيلة في المتشابه حتى يستأثر الله بعلم معناه، وما استأثر الله بعلمه كوقت الساعة لم ينزل به /خطابًا، ولم يذكر في القرآن آية تدل على وقت الساعة ! ونحن نعلم أن الله استأثر بأشياء لم يطلع عباده عليها، وإنما النزاع في كلام أنزله، وأخبر أنه هدى وبيان وشفاء، وأمر بتدبره، ثم يقال : إن منه ما لا يعرف معناه إلا الله، ولم يبين الله ولا رسوله ذلك القدر الذي لا يعرف أحد معناه؛ ولهذا صار كل من أعرض عن آيات لا يؤمن بمعناها يجعلها من المتشابه بمجرد دعواه، ثم سبب نزول الآية قصة أهل نجران، وقد احتجوا بقوله :[ إنَّا ] [ نَحْنُ ] وبقوله :﴿ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ﴾ [ آل عمران : ٤٥ ]، ﴿ وَرُوحٌ مِّنْهُ ﴾ [ النساء : ١٧١ ]، وهذا قد اتفق المسلمون على معرفة معناه، فكيف يقال : إن المتشابه لا يعرف معناه لا الملائكة ولا الأنبياء، ولا أحد من السلف، وهو من كلام الله الذي أنزله إلينا، وأمرنا أن نتدبره ونعقله، وأخبر أنه بيان وهدى وشفاء ونور، وليس المراد من الكلام إلا معانيه، ولولا المعنى لم يجز التكلم بلفظ لا معنى له.
وقد قال الحسن : ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم في ماذا أنزلت، وماذا عنى بها.
ومن قال : إن سبب نزول الآية سؤال اليهود عن حروف المعجم في ﴿ الم ﴾ [ آل عمران : ١ ]، بحساب الجمل، فهذا نقل باطل.
أما أولًا : فلأنه من رواية الكلبي.