وأيضًا، فإنه إن بنى على ما يعتقده من أنه لا يعلم معانى الآيات الخبرية إلا الله، لزمه أن يكذب كل من احتج بآية من القرآن خبرية على شيء من أمور الإيمان بالله واليوم الآخر، ومن تكلم في تفسير ذلك. وكذلك يلزم مثل ذلك في أحاديث الرسول ﷺ. وإن قال : المتشابه هو بعض الخبريات، لزمه أن يبين فصلًا يتبين به ما يجوز أن يعلم معناه من آيات القرآن، وما لا يجوز أن يعلم معناه، بحيث لا يجوز أن يعلم معناه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولا أحد من الصحابة، ولا غيرهم. ومعلوم أنه لا يمكن أحدًا ذكر حد فاصل بين ما يجوز أن يعلم معناه بعض الناس، وبين ما لا يجوز أن يعلم معناه أحد، ولو ذكر ما ذكر انتقض عليه، فعلم أن المتشابه ليس هو/ الذي لا يمكن أحدًا معرفة معناه، وهذا دليل مستقل في المسألة.
وأيضًا، فقوله :﴿ لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ ﴾ [ يونس : ٣٩ ]، ﴿ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا ﴾ [ النمل : ٨٤ ]، ذم لهم على عدم الإحاطة مع التكذيب، ولو كان الناس كلهم مشتركين في عدم الإحاطة بعلم المتشابه، لم يكن في ذمهم بهذا الوصف فائدة، ولكان الذم على مجرد التكذيب، فإن هذا بمنزلة أن يقال : أكذبتم بما لم تحيطوا به علمًا ولا يحيط به علمًا إلا الله ؟ ومن كذب بما لا يعلمه إلا الله؛ كان أقرب إلى العذر من أن يكذب بما يعلمه الناس، فلو لم يحط بها علمًا الراسخون؛ كان ترك هذا الوصف أقوى في ذمهم من ذكره.


الصفحة التالية
Icon