ويتبين هذا بوجه آخر هو دليل في المسألة، وهو أن الله ذم الزائغين بالجهل وسوء القصد، فإنهم يقصدون المتشابه يبتغون تأويله، ولا يعلم تأويله إلا الراسخون في العلم، وليسوا منهم، وهم يقصدون الفتنة لا يقصدون العلم والحق، وهذا كقوله تعالى :﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴾ [ الأنفال : ٢٣ ]، فإن المعنى بقوله :﴿ لَّأسْمَعَهُمْ ﴾ فهم القرآن؛ يقول : لو علم الله فيهم حسن قصد وقبولًا للحق لأفهمهم القرآن، لكن لو أفهمهم لتولوا عن الإيمان وقبول الحق لسوء قصدهم، فهم جاهلون ظالمون، كذلك الذين في قلوبهم زيغ هم/مذمومون بسوء القصد، مع طلب علم ما ليسوا من أهله، وليس إذا عيب هؤلاء على العلم ومنعوه يعاب من حسن قصده وجعله الله من الراسخين في العلم.
فإن قيل : فأكثر السلف على أن الراسخين في العلم لا يعلمون التأويل، وكذلك أكثر أهل اللغة يروى هذا عن ابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وعُرْوَة، وقتادة، وعمر ابن عبد العزيز، والفراء، وأبي عبيد، وثعلب، وابن الأنباري. قال ابن الأنباري في قراءة عبد الله : إن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم. وفي قراءة أبي وابن عباس : ويقول الراسخون في العلم، قال : وقد أنزل الله في كتابه أشياء استأثر بعلمها، كقوله تعالى :﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ ﴾ [ الأعراف : ١٨٧ ]، وقوله :﴿ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا ﴾ [ الفرقان : ٣٨ ]، فأنزل المحكم ليؤمن به المؤمن فيسعد، ويكفر به الكافر فيشقى. قال ابن الأنباري : والذي روى القول الآخر عن مجاهد هو ابن أبي نجيح، ولا تصح روايته التفسير عن مجاهد.


الصفحة التالية
Icon