فلو كانت قراءة ابن مسعود تقتضى نفي العلم عن الراسخين لكانت : إن علم تأويله إلا عند الله، لم يقرأ : إن تأويله إلا عند الله، فإن هذا حق بلا نزاع. وأما القراءة الأخرى المروية عن أبي وابن عباس، فقد نقل عن ابن عباس ما يناقضه، وأخص أصحابه بالتفسير مجاهد، وعلى تفسير مجاهد يعتمد أكثر الأئمة كالثوري والشافعي وأحمد بن حنبل والبخاري. قال الثوري : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. والشافعي في كتبه أكثر الذي ينقله عن ابن عيينة عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد. وكذلك البخاري في صحيحه يعتمد على هذا/التفسير. وقول القائل : لا تصح رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد جوابه : أن تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد من أصح التفاسير، بل ليس بأيدى أهل التفسير كتاب في التفسير أصح من تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد، إلا أن يكون نظيره في الصحة، ثم معه ما يصدقه، وهو قوله : عرضت المصحف على ابن عباس أقفه عند كل آية وأسأله عنها.
وأيضًا، فأبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ قد عرف عنه أنه كان يفسر ما تشابه من القرآن، كما فسر قوله :﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ﴾ [ مريم : ١٧ ]، وفسر قوله :﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [ النور : ٣٥ ]، وقوله :﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ]، وغير ذلك. ونَقْلُ ذلك معروف عنه بالإسناد أثبت من نقل هذه القراءة التي لا يعرف لها إسناد. وقد كان يسئل عن المتشابه من معنى القرآن فيجيب عنه كما سأله عمر، وسئل عن ليلة القدر.