وأما قوله : إن الله أنزل المجمل ليؤمن به المؤمن. فيقال : هذا حق، لكن هل في الكتاب والسنة أو قول أحد من السلف أن الأنبياء والملائكة والصحابة لا يفهمون ذلك الكلام المجمل ؟ أم العلماء متفقون على أن المجمل في القرآن يفهم معناه ويعرف ما فيه من الإجمال، كما مثل به من وقت الساعة ؟ فقد علم المسلمون كلهم معنى الكلام الذي أخبر الله به عن الساعة، وأنها آتية لا محالة، وأن الله انفرد بعلم وقتها، فلم يُطْلِع على ذلك أحدًا؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم/ لما سأله السائل عن الساعة، وهو في الظاهر أعرابي لا يعرف قال له : متى الساعة ؟ قال :( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) ولم يقل : إن الكلام الذي نزل في ذكرها لا يفهمه أحد، بل هذا خلاف إجماع المسلمين، بل والعقلاء؛ فإن إخبار الله عن الساعة وأشراطها كلام بين واضح يفهم معناه، وكذلك قوله :﴿ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا ﴾ [ الفرقان : ٣٨ ]، قد علم المراد بهذا الخطاب، وأن الله خلق قرونًا كثيرة لا يعلم عددهم إلا الله، كما قال :﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [ المدثر : ٣١ ] فأي شيء في هذا مما يدل على أن ما أخبر الله به من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر لا يفهم معناه أحد لا من الملائكة ولا من الأنبياء ولا الصحابة ولا غيرهم ؟ !
وأما ما ذكر عن عُرْوَة، فعروة قد عرف من طريقه أنه كان لا يفسر عامة أي القرآن إلا آيات قليلة رواها عن عائشة، ومعلوم أنه إذا لم يعرف عروة التفسير؛ لم يلزم أنه لا يعرفه غيره من الخلفاء الراشدين، وعلماء الصحابة، كابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وغيرهم.