ويبطل قول المرجئة والجهمية وقول الخوارج المعتزلة وكل هذه الطوائف تحتج بنصوص المتشابه على قولها، ولم يقل أحد لا من أهل السنة ولا من هؤلاء ـ لما يستدل به هو، أو يستدل به على منازعه : هذه آيات وأحاديث لا يعلم معناها أحد من البشر، فأمسكوا عن الاستدلال بها. وكان الإمام أحمد ينكر طريقة أهل البدع الذين يفسرون القرآن برأيهم وتأويلهم من غير استدلال بسنة رسول الله ﷺ وأقوال الصحابة والتابعين، والذين بلغهم الصحابة معانى القرآن، كما بلغوهم ألفاظه، ونقلوا هذا كما نقلوا هذا، لكن أهل البدع بتأولون النصوص بتأويلات تخالف مراد الله ورسوله، ويدعون أن هذا هو التأويل الذي يعلمه الراسخون، وهم مبطلون في ذلك، لا سيما تأويلات القرامطة والباطنية الملاحدة، وكذلك أهل الكلام المحدث من الجهمية والقدرية وغيرهم.
ولكن هؤلاء يعترفون بأنهم لا يعلمون التأويل، وإنما غايتهم أن يقولوا : ظاهر هذه الآية غير مراد، ولكن يحتمل أن يراد كذا، وأن يراد كذا، ولو تأولها الواحد منهم بتأيل معين، فهو لا يعلم أنه /مراد الله ورسوله، بل يجوز أن يكون مراد الله ورسوله عندهم غير ذلك، كالتأويلات التي يذكرونها في نصوص الكتاب، كما يذكرونه في قوله :﴿ وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [ الفجر : ٢٢ ] و ( ينزل ربنا )، و ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [ طه : ٥ ] ﴿ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [ النساء : ١٦٤ ]، ﴿ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ [ الفتح : ٦ ]، ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شيئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [ يس : ٨٢ ]، وأمثال ذلك من النصوص، فإن غاية ما عندهم يحتمل أن يراد به كذا ويجوز كذا ونحو ذلك، وليس هذا علما بالتأويل، وكذلك كل من ذكر في نص أقوالا، واحتمالات، ولم يعرف المراد، فإنه لم يعرف تفسير ذلك وتأويله وإنما يعرف ذلك من عرف المراد.


الصفحة التالية
Icon