ومن زعم من الملاحدة أن الأدلة السمعية لا تفيد العلم، فمضمون مدلولاته : لا يعلم أحد تفسير المحكم، ولا تفسير المتشابه، ولا تأويل ذلك. وهذا إقرار منه على نفسه بأنه ليس من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويل المتشابه، فضلاً عن تأويل المحكم، فإذا انضم إلى ذلك أن يكون كلامهم في العقلايات فيه من السفسطة والتلبيس ما لا يكون معه دليل على الحق، لم يكن عند هؤلاء لا معرفة بالسمعيات ولا بالعقليات. وقد أخبر الله عن أهل النار أنهم قالوا :﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [ الملك : ١٠ ]، ومدح الذين إذا ذكروا بآياته لم يخروا عليها صُمًا وعُميانًا، والذين يفقهون ويعقلون، وذم الذين / لا يفقهون ولا يعقلون في غير موضع من كتابه. وأهل البدع المخالفون للكتاب والسنة يدعون العلم والعرفان والتحقيق، وهم من أجهل الناس بالسمعيات العقليات، وهم يجعلون ألفاظا لهم مجملة متشابهة تتضمن حقًا وباطلاً، يجعلونها هي الأصول المحكمة، ويجعلون ما عارضها من نصوص الكتاب والسنة من المتشابه الذي لا يعلم معناه عندهم إلا الله، وما يتأولونه بالاحتمالات لا يفيد، فيجعلون البراهين شبهات، والشبهات براهين، كما قد بسط ذلك في موضع آخر.
وقد نقل القاضي أبو يعلى عن الإمام أحمد أنه قال : المحكم : ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان، والمتشابه : ما احتاج إلى بيان. وكذلك قال الإمام أحمد في رواية والشافعي قال : المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجهًا واحدًا، والمتشابه ما احتمل من التأويل وجوهًا. وكذلك قال الإمام أحمد. وكذلك قال ابن الأنباري : المحكم : ما لم يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا، والمتشابه : الذي تعتوره التأويلات، فيقال حينئذ : فجميع الأمة ـ سلفها وخلفها ـ يتكلمون في معاني القرآن التي تحتمل التأويلات.


الصفحة التالية
Icon