تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } [ الأنعام : ١٥٨ ]، وقوله :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ ﴾ [ فصلت : ١١ ] وقوله :﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شيئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [ يس : ٨٢ ]، إلى أمثال هذه الآيات.
فمن قال عن جبريل ومحمد ـ صلوات اللّه وسلامه عليهما ـ وعن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين والجماعة : إنهم كانوا لا يعرفون شيئًا من معاني هذه الآيات، بل اتسأثر اللّه بعلم معناها، كما استأثر بعلم وقت الساعة، وإنما كانوا يقرؤون ألفاظًا لا يفهمون لها معنى، كما يقرأ الإنسان كلامًا لا يفهم منه شيئًا، فقد كذب على القوم، والنقول المتواترة عنهم تدل على نقيض هذا، وأنهم كانوا يفهمون هذا يفهمون غيره من القرآن، وإن كان كنه الرب ـ عز وجل ـ لا يحيط به العباد، ولا يحصون ثناءً عليه، فذاك لا يمنع أن يعلموا من أسمائه وصفاته ما علمهم ـ سبحانه وتعالى ـ كما أنهم إذا علموا أنه بكل شيء عليم، وأنه على كل شيء قدير، لم يعرفوا كيفية علمه وقدرته، وإذا عرفوا أنه أنه حق موجود لم يلزم أن يعرفوا كيفية ذاته.
وهذا مما يستدل به على أن الراسخين في العلم يعلمون التأويل فإن الناس متفقون على أنهم يعرفون تأويل المحكم، ومعلوم أنهم لا يعرفون كيفية ما أخبر الله به عن نفسه في الآيات المحكمات، فدل ذلك على أن عدم العلم بالكيفية لا ينفي العلم بالتأويل الذي هو تفسير الكلام وبيان معناه، بل يعلمون تأويل المحكم المتشابه، ولا يعرفون كيفية الرب لا في هذا، ولا في هذا.