فإن قيل : هذا يقدح فيما ذكرتم من الفرق بين التأويل الذي يراد به التفسير، وبين التأويل الذي في كتاب الله ـ تعالى ـ قيل : لا يقدح في ذلك، فإن معرفة تفسير اللفظ ومعناه وتصور ذلك في القلب غير معرفة الحقيقة الموجودة في الخارج المرادة بذلك الكلام، فإن الشيء له وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان، ووجود في اللسان، ووجود في البنان، فالكلام لفظ له معنى في القلب، ويكتب ذلك اللفظ بالخط، فإذا عرف الكلام وتصور معناه في القلب، وعبر عنه باللسان، فهذا غير الحقيقة الموجودة في الخارج، وليس كل من عرف الأول، عرف عين الثاني.
مثال ذلك : أن أهل الكتاب يعلمون ما في كتبهم من صفة محمد ﷺ وخبره ونعته، وهذا معرفة الكلام ومعناه وتفسيره، وتأويل ذلك هو نفس محمد المبعوث، فالمعرفة بعينه معرفة تأويل ذلك/الكلام، وكذلك الإنسان قد يعرف الحج والمشاعر كالبيت والمسجد ومنى وعرفة ومزدلفة ويفهم معنى ذلك، ولا يعرف أعيان الأمكنة حتى يشاهدها، فيعرف أن الكعبة المشاهدة المذكورة في قوله :﴿ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾ [ آل عمران : ٩٧ ]، وكذلك أرض عرفات هي المذكورة في قوله :﴿ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ ﴾ [ البقرة : ١٩٨ ]، وكذلك المشعر الحرام هي المزدلفة التي بين مأزمى عرفة، ووادى محسر، يعرف أنها المذكورة في قوله :﴿ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾ [ البقرة : ١٩٨ ].