وأما النوع الثاني : الجهال، فهؤلاء الأميون الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، وإن هم إلا يظنون. فعن ابن عباس وقتادة في قوله :﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ ﴾، أي : غير عارفين بمعاني الكتاب يعلمونها حفظا وقراءة بلا فهم، ولا يدرون ما فيه، وقوله :﴿ إِلاَّ أَمَانِيَّ ﴾، أي : تلاوة فهم لا يعلمون فقه الكتاب، إنما يقتصرون على ما يسمعونه يتلى عليهم، قاله الكسائى والزجاج. وكذلك قال ابن السائب : لا يحسنون قراءة الكتاب، ولا كتابته إلا أماني، إلا ما يحدثهم به علماؤهم. وقال أبو روق وأبو عبيدة : أي تلاوة وقراءة عن ظهر القلب، ولا يقرؤونها في الكتب، ففي هذا القول جعل الأماني التي هي التلاوة تلاوة الأميين أنفسهم، وفي ذلك جعله ما يسمعونه من تلاوة علمائهم، وكلا القولين حق والآية تعمهما، فإنه سبحانه وتعالى قال :﴿ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ ﴾ لم يقل : لا يقرؤون ولا يسمعون، ثم قال :﴿ إِلاَّ أَمَانِيَّ ﴾ وهذا استثناء منقطع. لكن يعلمون أماني إما بقراءتهم لها، وإنما بسماعهم قراءة غيرهم، وإن جعل الاستثناء متصلا كان التقدير لا يعلمون الكتاب إلا علم أماني، لا علم تلاوة فقط بلا فهم، والأماني جمع أمنية وهي التلاوة، ومنه قوله تعالى :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [ الحج : ٥٢ ]، قال الشاعر :
تمنى كتاب اللّه أول ليلة ** وآخرها لا قى حمام المقادر
والأميون نسبة إلى الأمة قال بعضهم : إلى الأمة وما عليه العامة، فمعنى الأمى : العامى الذي لا تمييز له، وقال الزجاج : هو على خلق الأمة التي لم تتعلم فهو على جبلته، وقال غيره : هو نسبة إلى الأمة، لأن الكتابة كانت في الرجال دون النساء؛ ولأنه على ما ولدته أمه.


الصفحة التالية
Icon