يوجد أكثر أهل السنة يحفظون القرآن والحديث أكثر من أهل البدع، وأهل البدع فيهم شبه بأهل الكتاب من بعض الوجوه.
وقوله :﴿ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ ﴾ [ الأعراف : ١٥٨ ] هو أمي بهذا الاعتبار؛ لأنه لا يكتب ولا يقرأ ما في الكتب، لا باعتبار أنه لا يقرأ من حفظه، بل كان يحفظ القرآن أحسن حفظ، والأمى/ في اصطلاح الفقهاء خلاف القارئ، وليس هو خلاف الكاتب بالمعنى الأول، ويعنون به الغالب من لا يحسن الفاتحة، فقول تعالى :﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ ﴾ [ البقرة : ٧٨ ]، أي : لا يعلمون الكتاب إلا تلاوة لا يفهمون معناها. وهذا يتناول من لا يحسن الكتابة ولا القراءة من قبل، وإنما يسمع أماني علما، كما قال ابن السائب ويتناول من يقرأه عن ظهر قلبه ولا يقرأه من الكتاب، كما قال أبو روق وأبو عبيدة.
وقد يقال : إن قوله :﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ﴾ أي الخط، أي : لا يحسنون الخط، وإنما يحسنون التلاوة، ويتناول ـ أيضًا ـ من يحسن الخط والتلاوة، ولا يفهم ما يقرؤه ويكتبه كما قال ابن عباس وقتادة : غير عارفين معاني الكتاب، يعلمونها حفظا وقراءة بلا فهم، ولا يدرون ما فيه، والكتاب هنا المراد به : الكتاب المنزل، وهو التوراة؛ ليس المراد به الخط، فإنه قال :﴿ َّوَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ﴾ [ البقرة : ٧٨ ]، فهذا يدل على أنه نفي عنهم العلم بمعاني الكتاب، وإلا فكون الرجل لا يكتب بيده لا يستلزم أن يكون لا علم عنده، بل يظن ظنًا؛ بل كثير ممن يكتب بيده لا يفهم مايكتب، وكثير ممن لا يكتب يكون عالمًا بمعاني ما يكتبه غيره.


الصفحة التالية
Icon