وهؤلاء تجدهم في نفس الأمر لا يعتمدون على ما جاء به الرسول، ولا يتلقون الهدى منه، ولكن ما وافقهم منه قبلوه، وجعلوه حجة لا عمدة، وما خالفهم تأولوه، كالذين يحرفون الكلم عن مواضعه أو فوضوه، كالذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني. وهؤلاء قد لا يعرفون ما جاء به الرسول، إما عجزًا وإما تفريطا، فإنه يحتاج إلى مقدمتين : أن الرسول قال كذا، وأنه أراد به كذا. أما الأولى : فعامتهم لا يرتابون في أنه جاء بالقرآن وإن كان من غلاة أهل البدع من يرتاب في بعضه، لكن الأحاديث عامة أهل البدع جهال بها، وهم يظنون أن هذه رواها آحاد يجوزون عليهم الكذب والخطأ، ولا يعرفون من كثرة /طرقها وصفات رجالها، والأسباب الموجبة للتصديق بها ما يعلمه أهل العلم بالحديث فإن هؤلاء يقطعون قطعًا يقينًا بعامة المتون الصحيحة التي في الصحيحين كما قد بسطناه في غير هذا الموضع.
وأما المقدمة المقدمة الثانية، فإنهم قد لا يعرفون معاني القرآن والحديث. ومنهم من يقول : الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين بمراد المتكلم، وقد بسطنا الكلام على فساد ذلك في غير هذا الموضع.
وكثير منهم إنما ينظر من تفسير القرآن والحديث فيما يقوله موافقوه على المذهب فيتأول تأويلاتهم، فالنصوص التي توافقهم يحتجون بها، والتي تخالفهم يتأولونها، وكثير منهم لم يكن عمدتهم في نفس الأمر اتباع نص أصلًا، وهذا في البدع الكبار مثل الرافضة والجهمية، فإن الذي وضع الرفض كان زنديقًا ابتدأ تعمد الكذب الصريح الذي يعلم أنه كذب، كالذين ذكرهم اللّه من اليهود الذين يفترون على اللّه الكذب وهم يعلمون، ثم جاء من بعدهم من ظن صدق ما افتراه أولئك، وهم في شك منه، كما قال تعالى :﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ﴾ [ الشورى : ١٤ ].


الصفحة التالية
Icon