وكذلك الجهمية ليس معهم على نفي الصفات وعلو الله على العرش ونحو ذلك نص أصلًا، لا آية ولا حديث، ولا أثر عن الصحابة، / بل الذي ابتدأ ذلك لم يكن قصده اتباع الأنبياء، بل وضع ذلك كما وضعت عبادة الأوثان، وغير ذلك من أديان الكفار، مع علمهم بأن ذلك مخالف للرسل، كما ذكر عن مبدلة اليهود، ثم فشا ذلك فيمن لم يعرفوا أصل ذلك.
وهذا بخلاف بدعة الخوارج، فإن أصلها ما فهموه من القرآن فغلطوا في فهمه، ومقصودهم اتباع القرآن باطنًا وظاهرًا، ليسوا زنادقة.
وكذلك القدرية أصل مقصودهم تعظيم الأمر والنهي والوعد والوعيد الذي جاءت به الرسل، ويتبعون من القرآن ما دل على ذلك، فعمرو بن عبيد وأمثاله لم يكن أصل مقصودهم معاندة الرسول ﷺ كالذي ابتدع الرفض.
وكذلك الإرجاء إنما أحدثه قوم قصدهم جعل أهل القبلة كلهم مؤمنين ليسوا كفارًا، قابلوا الخوارج والمعتزلة فصاروا في طرف آخر.
وكذلك التشيع المتوسط ـ الذي مضمونه تفضيل علىّ وتقديمه على غيره، ونحو ذلك ـ لم يكن هذا من إحداث الزنادقة، بخلاف دعوى النص فيه والعصمة، فإن الذي ابتدع ذلك كان منافقا زنديقا؛ / ولهذا قال عبد اللّّه بن المبارك ويوسف بن أسباط وغيرهما : أصول البدع أربعة : الشيعة، والخوارج، والقدرية، والمرجئة. قالوا : والجهمية ليسوا من الثنتين وسبعين فرقة. وكذلك ذكر أبو عبد الله ابن حامد عن أصحاب أحمد في ذلك قولين، هذا أحدهما، وهذا أرادوا به التجهم المحض الذي كان عليه جهم نفسه ومتبعوه عليه، وهو نفي الأسماء مع نفي الصفات، بحيث لا يسمي الله بشيء من أسمائه الحسني، ولا يسميه شيئًا ولا موجودًا ولا غير ذلك، وإنما نقل عنه أنه كان يسميه قادرًا ـ لأن جميع الأسماء يسمي بها الخلق، فزعم أنه يلزم منها التشبيه، بخلاف القادر ـ فإنه كان رأس الجبرية، وعنده ليس للعبد قدرة ولا فعل، ولا يسمى غير الله قادرًا؛ فلهذا نقل عنه أنه سمي الله قادرًا.


الصفحة التالية
Icon