فإنه قصد أن يبني مسجدًا وأحب أن يكون أول من يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يبنيه في الموضع الذي صلى فيه، فالمقصود كان بناء المسجد، وأراد أن يصلي النبي ﷺ في المكان الذي يبنيه، فكانت الصلاة مقصودة لأجل المسجد، لم يكن بناء المسجد مقصودًا لأجل كونه صلى فيه اتفاقًا، وهذا المكان مكان قصد النبي ﷺ الصلاة فيه ليكون مسجدًا، فصار قصد الصلاة فيه متابعة له، بخلاف ما اتفق أنه صلى فيه بغير قصد، وكذلك قصد يوم الاثنين والخميس بالصوم متابعة لأنه قصد صوم هذين اليومين، وقال في الحديث الصحيح إنه- :( تفتح أبواب الجنة في كل خميس وإثنين فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلًا كان بينه وبين أخيه شَحْنَاءُ فيقال : أنظروا هذين حتى يصطلحا ).
وكذلك قصد إتيان مسجد قباء متابعة له، فإنه قد ثبت عنه في الصحيحين أنه كان يأتي قباء كل سبت راكبًا وماشيًا، وذلك أن الله أنزل عليه :﴿ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ على التقوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ﴾ [ التوبة : ١٠٨ ]، وكان مسجده هو الأحق بهذا الوصف. وقد ثبت في الصحيح أنه سئل عن المسجد المؤسس على التقوى فقال :( هو مسجدي هذا )، يريد أنه أكمل في هذا الوصف من مسجد قباء، ومسجد قباء - أيضًا - أسس على التقوى، وبسببه نزلت الآية؛ ولهذا قال :﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [ التوبة : ١٠٨ ]، وكان أهل قباء مع الوضوء والغسل يستنجون بالماء - تعلموا ذلك من جيرانهم اليهود - ولم تكن العرب تفعل ذلك، فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألا يظن ظان أن ذاك هو الذي أسس على التقوى دون مسجده، فذكر أن مسجده أحق بأن يكون هو المؤسس على التقوى، فقوله :﴿ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ على التَّقْوَى ﴾، يتناول مسجده ومسجد قباء، ويتناول كل مسجد أسس على التقوى، بخلاف مساجد الضرار.