وقد تنازع العلماء في أهل مكة ونحوهم : هل يقصرون أو يجمعون ؟ فقيل : لا يقصرون ولا يجمعون، كما يقول ذلك من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد. وقيل : يجمعون ولا يقصرون، كما يقول ذلك أبو حنيفة وأحمد ومن وافقه من أصحابه وأصحاب الشافعى. وقيل : يجمعون ويقصرون، كما قال ذلك مالك وابن عيينة وإسحاق بن راهويه وبعض أصحاب أحمد وغيرهم، وهذا هو الصواب بلا ريب، فإنه الذي فعله أهل مكة خلف النبي ﷺ بلا ريب، ولم يقل النبي ﷺ قط ولا أبو بكر ولا عمر بمنى ولا عرفة ولا مزدلفة : يا أهل مكة أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر، ولكن ثبت أن عمر قال ذلك في جوف مكة. وكذلك في السنن عن النبي ﷺ أنه قال ذلك في جوف مكة في غزوة الفتح. وهذا من أقوى الأدلة على أن القصر مشروع لكل مسافر، ولو كان سفره بريدًا، فإن عرفة من مكة بريد ـ أربع فراسخ ـ ولم يصل النبي ﷺ ولا خلفاؤه بمكة صلاة عيد، بل ولا صلى في أسفاره قط صلاة/ العيد، ولا صلى بهم في أسفاره صلاة جمعة يخطب ثم يصلى ركعتين، بل كان يصلى يوم الجمعة في السفر ركعتين، كما يصلى في سائر الأيام.