وقوله :( شفاء أمتي ) إشارة إلى من كان حينئذ من أمته وهم كانوا بالحجاز، كما قال :( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) ؛ لأن هذا كان قبلة أمتي حينئذ؛ لأنهم كانوا بالمدينة وما حولها، وهذا كما أنه في آخر الأمر بعد أن فرض الحج سنة تسع أو سنة عشر وَقَّتَ ثلاث مواقيت للمدينة ولنجد وللشام، ولما فتح اليمن وَقَّتَ لهم يلملم، ثم وَقَّتَ ذات عِرْقٍ لأهل العراق، وهذا كما أنه فرض صدقة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير عن كل صغير وكبير ذكرًا وأنثى من المسلمين، وكان هذا هو الفرض على أهل المدينة؛ لأن الشعير والتمر كان قوتهم، ولهذا كان جماهير العلماء على أنه من اقتات الأرز والذرة ونحو ذلك يخرج من قوته، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وهل يجزيه أن يخرج التمر والشعير إذا لم يكن يقتاته ؟ فيه قولان للعلماء.
وكان الصحابة يرمون بالقوس العربية الطويلة التي تشبه قوس النَّدَفِ، وفتح الله لهم بها البلاد، وقد رويت آثار في كراهة الرمي بالقوس الفارسية عن بعض السلف لكونها كانت شعار الكفار، فأما بعد أن/اعتادها المسلمون وكثرت فيهم وهي في أنفسها أنفع في الجهاد من تلك القوس، فلا تكره في أظهر قولى العلماء، أو قول أكثرهم؛ لأن الله تعالى : قال :﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ [ الأنفال : ٦٠ ].
والقوة في هذا أبلغ بلا ريب، والصحابة لم تكن هذه عندهم فعدلوا عنها إلى تلك؛ بل لم يكن لهم غيرها، فينظر في قصدهم بالرمي : أكان لحاجة إليها إذ ليس لهم غيرها ؟ أم كان لمعنى فيها ؟ ومن كره الرمي بها كرهه لمعنى لازم، كما يكره الكفر وما يستلزم الكفر، أم كرهها لكونها كانت من شعائر الكفار فكره التشبه بهم ؟


الصفحة التالية
Icon