قيل : لا يجوز لا هذا ولا هذا، وقيل : يجوز الأمران، /والصحيح أنه يجوز بيع رباعها، ولا يجوز إجارتها، وعلى هذا تدل الآثار المنقولة في ذلك عن النبي ﷺ وعن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فإن الصحابة كانوا يتبايعون دورها، والدور تورث وتوهب، وإذا كانت تورث وتوهب جاز أن تباع بخلاف الوقف، فإنه لا يباع ولا يورث ولا يوهب.
وكذلك أم الولد من لم يجوز بيعها لم يجوز هبتها ولا أن تورث، وأما إجارتها فقد كانت تدعى السوائب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر ـ رضي الله عنهما ـ من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن؛ لأن المسلمين كلهم محتاجون إلى المنافع، فصارت كمنافع الأسواق والمساجد والطرقات التي يحتاج إليها المسلمون، فمن سبق إلى شيء منها فهو أحق به، وما استغنى عنه أخذه غيره بلا عوض، وكذلك المباحات التي يشترك فيها الناس، ويكون المشترى لها استفاد بذلك أنه أحق من غيره ما دام محتاجا، وإذا باعها الإنسان قطع اختصاصه بها وتوريثه إياها، وغير ذلك من تصرفاته؛ ولهذا له أن ألا يبذله إلا بعوض، والنبي ﷺ مَنَّ على أهل مكة، فإن الأسير يجوز المن عليه للمصلحة، وأعطاهم مع ذلك ذراريهم وأموالهم، كما مَنَّ على هوازن لما جاؤوا مسلمين بإحدى الطائفتين : السبي أو المال، فاختاروا السبي فأعطاهم السبي وكان ذلك بعد القسمة، /فعوض عن نصيبه من لم يرض بأخذه منهم، وكان قد قسم المال فلم يرده عليهم، وقريش لم تحاربه كما حاربته هوازن، وهو إنما مَنَّ على مَنْ لم يقاتله منهم كما قال :( من أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن ).