وهذا دليل على أن الغنيمة للإمام أن يقسمها باجتهاده كما يقسم الفيء باجتهاده، إذا كان إمام عدل قسمها بعلم وعدل، ليس قسمتها بين الغانمين كقسمة الميراث بين الورثة، وقسمة الصدقات في الأصناف الثمانية؛ ولهذا قال في الصدقات :( إن الله لم يرض فيها بقسمة نبي ولا غيره، ولكن جعلها ثمانية أصناف، فإن كنت من تلك الأصناف أعطيتك )، فعلم أن ما أفاء الله من الكفار بخلاف ذلك، وقد قسم النبي ﷺ من خيبر لأهل السفينة الذين قدموا مع جعفر، ولم يقسم لأحد غاب عنها غيرهم، وقسم من غنائم بدر لطلحة والزبير ولعثمان، / وكان قد أقام بالمدينة، وهؤلاء الذين كانوا يريدون القتال وكانوا مشغولين ببعض مصالح المسلمين الذين هم فيها في جهاد.
وأيضًا، أهل السفينة وطلحة والزبير وعثمان لم يكونوا كغيرهم، والقتال لم يكن لأجل الغنيمة، فليست الغنيمة كمباح اشترك فيه ناس مثل الاحتشاش والاحتطاب والاصطياد، فإن ذلك الفعل مقصوده هو اكتساب المال، بخلاف الغنيمة، بل من قاتل فيها لأجل المال لم يكن مجاهدًا في سبيل الله؛ ولهذا لم تبح الغنائم لمن قبلنا وأبيحت لنا معونة على مصلحة الدين.
فالغنائم أبيحت لمصلحة الدين وأهله، فمن كان قد نفع المجاهدين بنفع استعانوا به على تمام جهادهم جعل منهم وإن لم يحضر؛ ولهذا قال النبي ﷺ :( المسلمون يد واحدة يسعى بذمتهم أدناهم، ويرد متسريهم على قاعدهم )، فإن المتسرى إنما تسرى بقوة القاعد، فالمعاونون للمجاهدين من المجاهدين. ولبسط هذه الأمور موضع آخر.