والله إنما أمر في كتابه وسنة رسوله بالعبادة في المساجد، والعبادة فيها هي عمارتها، قال تعالى :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾ [ البقرة : ١١٤ ]، ولم يقل : مشاهد الله، وقال تعالى :﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [ الأعراف : ٢٩ ]، ولم يقل : عند كل مشهد، فإن أهل المشاهد ليس فيهم إخلاص الدين لله، بل فيهم نوع من الشرك، وقال تعالى :﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ ﴾ الآيات [ التوبة : ١٧، ١٨ ]، وفي الترمذي عن النبي ﷺ أنه قال :( إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان )، ثم قرأ هذه الآية. فإن المراد بعمارتها عمارتها بالعبادة فيها كالصلاة والاعتكاف، يقال : مدينة عامرة، إذا كانت مسكونة، ومدينة خراب، إذا لم يكن فيها ساكن، ومنه قوله تعالى :﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ ﴾ [ التوبة : ١٩ ].


الصفحة التالية
Icon