كقولك : كلمته تكليمًا، وأنبأته أنباء. فتبين أن قوله :﴿ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ [ يوسف : ٣ ]، منصوب على المفعول، وكل ما قصه اللّه فهو أحسن القصص، ولكن هذا إذا كان يتضمن معنى المصدر ومعنى المفعول به، جاز أن ينتصب على المعنيين جميعًا، فإنهما متلازمان، تقول : قلت قولا حسنا وقد أسمعته قولا، ولم يسمع الفعل الذي هو مسمى المصدر، وإنما سمع الصوت، وتقول : قال يقول قولا فتجعله مصدرًا، والصوت نفسه ليس هو مسمى المصدر، إنما مسمى المصدر الفعل المستلزم للصوت ولكن هما متلازمان.
ولهذا تنازع أهل السنة والحديث في التلاوة والقرآن هل هي القرآن المتلو أم لا ؟ وقد تفطن ابن قتيبة وغيره لما يناسب هذا المعنى وتكلم عليه، وسبب الاشتباه : أن المتلو هو القرآن نفسه الذي هو الكلام، والتلاوة قد يراد بها هذا، وقد يراد بها نفس حركة التإلى /وفعله، وقد يراد بها الأمران جميعًا، فمن قال : التلاوة هي المتلو، أراد بالتلاوة : نفس القرآن المسموع وذلك هو المتلو، ومن قال غيره أراد بالتلاوة : حركة العبد وفعله وتلك ليست هي القرآن، ومن نهي عن أن يقال : التلاوة هي المتلو أو غير المتلو؛ فلأن لفظ التلاوة يجمع الأمرين، كما نهى الإمام أحمد وغيره عن أن يقال : لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق؛ لأن اللفظ يراد به الملفوظ نفسه الذي هو كلام اللّه، ويراد به مصدر لَفَظَ يَلِفظُ لَفْظًا وهو فعل العبد، وأطلق قوم من أهل الحديث : أن لفظي بالقرآن غير مخلوق، وأطلق ناس آخرون : أن لفظي به مخلوق. قال ابن قتيبة : لم يتنازع أهل الحديث في شيء من أقوالهم إلا في مسألة اللفظ، وهذا كان تنازع أهل الحديث والسنة الذين كانوا في زمن أحمد بن حنبل، وأصحابه الذين أدركوه.


الصفحة التالية
Icon