فالسلف كلهم متفقون على أن القرآن هو المهيمن المؤتمن الشاهد على ما بين يديه من الكتب، ومعلوم أن المهيمن على الشيء أعلى منه مرتبة. ومن أسماء اللّه [ المهيمن ]، ويسمى الحاكم على الناس القائم بأمورهم [ المهيمن ]. قال المبرد والجوهري وغيرهما : المهيمن في اللغة : المؤتمن. وقال الخليل : الرقيب الحافظ. وقال الخطابي المهيمن :/الشهيد. قال : وقال بعض أهل اللغة : الهيمنة : القيام على الشيء والرعاية له، وأنشد :
ألا إن خير الناس بعد نبيهم ** مهيمنه التإليه في العرف والنكر
يريد القائم على الناس بالرعاية لهم. وفي مهيمن قولان : قيل : أصله مؤيمن والهاء مبدلة من الهمزة، وقيل : بل الهاء أصلية.
وهكذا القرآن، فإنه قرر ما في الكتب المتقدمة من الخبر عن اللّه وعن اليوم الآخر، وزاد ذلك بيانًا وتفصيلًا، وبين الأدلة والبراهين على ذلك، وقرر نبوة الأنبياء كلهم، ورسالة المرسلين، وقرر الشرائع الكلية التي بعثت بها الرسل كلهم، وجادل المكذبين بالكتب والرسل بأنواع الحجج والبراهين، وبين عقوبات اللّه لهم ونصره لأهل الكتب المتبعين لها، وبين ما حرف منها وبدل، وما فعله أهل الكتاب في الكتب المتقدمة، وبين أيضًا ما كتموه مما أمر اللّه ببيانه، وكل ما جاءت به النبوات بأحسن الشرائع والمناهج التي نزل بها القرآن، فصارت له الهيمنة على ما بين يديه من الكتب من وجوه متعددة، فهو شاهد بصدقها وشاهد بكذب ما حُرِّفَ منها، وهو حاكم بإقرار ما أقره اللّه، ونسخ ما نسخه، فهو شاهد في الخبريات حاكم في الأمريات.


الصفحة التالية
Icon