ولهذا لم تحتج الأمة مع رسولها وكتابها إلى نبي آخر وكتاب آخر؛ فضلًا عن أن تحتاج إلى شيء لا يستقل بنفسه غيره، سواء كان من علم المحدثين والملهمين، أو من علم أرباب النظر والقياس الذين لا يعتصمون مع ذلك بكتاب منزل من السماء؛ ولهذا قال النبي/ ﷺ في الحديث الصحيح :( إنه كان في الأمم قبلكم مُحَدَّثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر ). فعلق ذلك تعليقًا في أمته مع جزمه به فيمن تقدم؛ لأن الأمم قبلنا كانوا محتاجين إلى المحدثين كما كانوا محتاجين إلى نبي بعد نبي. وأما أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فأغناهم الله برسولهم وكتابهم عن كل ما سواه، حتى إن المحدث منهم ـ كعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ـ إنما يؤخذ منه ما وافق الكتاب والسنة، وإذا حدث شيئا في قلبه، لم يكن له أن يقبله حتى يعرضه على الكتاب والسنة، وكذلك لا يقبله إلا إن وافق الكتاب والسنة. وهذا باب واسع في فضائل القرآن على ما سواه.
والمقصود أن نبين أن مثل هذا هو من العلم المستقر في نفوس الأمة السابقين والتابعين، ولم يعرف قط أحد من السلف رد مثل هذا، ولا قال : لا يكون كلام اللّه بعضه أشرف من بعض، فإنه كله من صفات اللّه ونحو ذلك، إنما حدث هذا الإنكار لما ظهرت بدع الجهمية الذين اختلفوا في الكتاب وجعلوه عِضِين.


الصفحة التالية
Icon