واشتهر القول بإنكار تفاضله بعد المائتين لما أظهرت الجهمية القول بأن القرآن مخلوق. واتفق أئمة السنة وجماهير الأمة على إنكار ذلك ورده عليهم. وظنت طائفة كثيرة ـ مثل أبي محمد بن كلاب ومن وافقه ـ أن هذا القول لا يمكن رده إلا إذا قيل : إن اللّه لم يتكلم بمشيء ته وقدرته، ولا كلم موسى حين أتاه، ولا قال للملائكة : اسجدوا لآدم بعد أن خلقه، ولا يغضب على أحد بعد أن يكفر به، ولا يرضي عنه بعد أن يطيعه، ولا يحبه بعد أن يتقرب إليه بالنوافل، ولا يتكلم بكلام بعد كلام، فتكون كلماته لا نهاية لها، إلى غير ذلك مما ظنوا انتفاءه عن اللّه. وقالوا : إنما يمكن مخالفة هؤلاء إذا قيل بأن القرآن وغيره من الكلام لازم لذات اللّه ـ تعالى ـ لم يزل ولا يزال يتكلم بكل كلام له كقوله :﴿ يا آدم ﴾، ﴿ يا نوح ﴾، وصاروا طائفتين : طائفة تقول : إنه معنى واحد قائم بذاته، وطائفة تقول : إنه حروف أو حروف وأصوات مقترن بعضها ببعض أزلًا وأبدًا، وإن كانت مترتبة في ذاتها ترتبًا ذاتيا لا ترتبا وجوديا، كما قد بين مقالات الناس في كلام اللّه في غير هذا الموضع. والأولون عندهم : كلام اللّه شيء واحد لا بعض له، فضلًا عن أن يقال : بعضه أفضل من بعض. والآخرون يقولون : هو قديم لازم لذاته، والقديم لا يتفاضل.


الصفحة التالية
Icon