وكان أبو عبد اللّه بن عبد الوهاب ـ رحمه اللّه ـ قد تلقى هذا عن البحوث التي يذكرها أبو الحسن بن الزاغوني وأمثاله، وقبله أبو الوفاء ابن عقيل وأمثاله، وقبلهما القاضي أبو يعلى ونحوه، فإن هؤلاء وأمثالهم من أصحاب مالك والشافعي ـ كأبي الوليد الباجي وأبي المعالي الجُوَيْني ـ وطائفة من أصحاب أبي حنيفة يوافقون ابن كلاب على قوله : إن اللّه لا يتكلم بمشيئته وقدرته، وعلى قوله : إن القرآن لازم لذات اللّه، بل يظنون أن هذا قول السلف ـ قول أحمد بن حنبل ومالك والشافعي وسائر السلف ـ الذين يقولون : القرآن غير مخلوق، حتى إن من سلك مسلك السالمية من هؤلاء ـ كالقاضي وابن عقيل وابن/الزاغوني ـ يصرحون بأن مذهب أحمد أن القرآن قديم، وأنه حروف وأصوات. وأحمد بن حنبل وغيره من الأئمة الأربعة لم يقولوا هذا قط ولا ناظروا عليه، ولكنهم وغيرهم من أتباع الأئمة الأربعة لم يعرفوا أقوالهم في بعض المسائل.
ولكن الذين ظنوا أن قول ابن كُلاَّب وأتباعه هو مذهب السلف ومن أن القرآن غير مخلوق هم الذين صاروا يقولون : إن كلام اللّه بعضه أفضل، إنما يجيء على قول أهل البدع الجهمية والمعتزلة، كما صار يقول ذلك طوائف من أتباع الأئمة ـ كما سنذكره من أقوال بعض أصحاب مالك والشافعي ـ ولم يعلموا أن السلف لم يقل أحد منهم بهذا، بل أنكروا على ابن كلاب هذا الأصل، وأمر أحمد بن حنبل وغيره بهجر الكلابية على هذا الأصل، حتى هجر الحارث المحاسبي؛ لأنه كان صاحب ابن كلاب وكان قد وافقه على هذا الأصل، ثم روي عنه أن رجع عن ذلك، وكان أحمد يحذر عن الكلابية. وكان قد وقع بين أبي بكر بن خُزَيمة ـ الملقب بإمام الأئمة ـ وبين بعض أصحابه مشاجرة على هذا الأصل؛ لأنهم كانوا يقولون بقول ابن كلاب. وقد ذكر قصتهم الحاكم أبو عبد اللّه النيسابوري في [ تاريخ نيسابور ]، وبسط الكلام على هذا الأصل له موضع آخر، وإنما نبهنا على المآخذ التي تعرف بها حقائق الأقوال.


الصفحة التالية
Icon