ألا ترى أن المخلوق يتكلم بكلام هو كله كلامه، لكن كلامه الذي يذكر به ربه أعظم من كلامه الذي يذكر به بعض المخلوقات، والجميع كلامه ؟ ! فاشتراك الكلامين بالنسبة إلى المتكلم لا يمنع تفاضلهما بالنسبة إلى المتكلم فيه، سواء كانت النسبتان أو إحداهما توجب التفضيل أو لا توجبه. فكلام الأنبياء ثم العلماء والخطباء والشعراء بعضه أفضل من بعض وإن كان المتكلم واحدًا، وكذلك كلام الملائكة والجن، وسواء أريد بالكلام المعاني فقط أو الألفاظ فقط أو كلاهما أو كل منهما، فلا ريب في تفاضل الألفاظ والمعاني من المتكلم الواحد، فدل ذلك على أن مجرد اتفاق الكلامين في أن المتكلم بهما واحد لا يوجب تماثلهما من سائر الجهات.
فتفاضل الكلام من جهة المتكلم فيه سواء كان خبرًا أو إنشاء أمر معلوم بالفطرة والشرعة، فليس الخبر المتضمن للحمد لله والثناء عليه بأسمائه الحسنى كالخبر المتضمن لذكر أبي لهب وفرعون وإبليس، وإن كان هذا كلامًا عظيمًا معظما تكلم الله به، وكذلك ليس الأمر بالتوحيد والإيمان بالله ورسوله، وغير ذلك من أصول الدين الذي أمرت/به الشرائع كلها، وغير ذلك مما يتضمن الأمر بالمأمورات العظيمة، والنهي عن الشرك، وقتل النفس، والزنا ونحو ذلك مما حرمته الشرائع كلها، وما يحصل معه فساد عظيم كالأمر بلعق الأصابع، وإماطة الأذى عن اللقمة الساقطة، والنهي عن القران في التمر، ولو كان الأمران واجبين، فليس الأمر بالإيمان بالله ورسوله كالأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد، والأمر بالإنفاق على الحامل وإيتائها أجرها إذا أرضعت.


الصفحة التالية
Icon