والأول قد يقصد أن يستعينه ويسأله ويتوكل عليه ويبرأ من الحول والقوة إلا به، ولكن لا يقصد أن يعبده بفعل ما أمر به وترك ما نهي عنه على ألسن رسله، ولا يشهد أن الله يحب أن يعبد ويطاع، وأنه يفرح بتوبة التائبين ويحب المتقين ويغضب على الكفار والمنافقين، بل ينسلخ من الدين أو بعضه، لا سيما في نهاية أمره. وهذه الحال إن طردها صاحبها كان شرًا من حال المعتزلة القدرية، بل إن طردها طردًا حقيقيًا أخرجته من الدين خروج الشعرة من العجين، وهي حال المشركين. وأما من هداه الله، فإنه يحقق قوله :﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [ الفاتحة : ٥ ]، ويعلم أن كل عمل لا يراد به وجه الله ولا يوافق أمره، فهو مردود على صاحبه، وكل قاصد لم يعنه الله، فهو مصدود من مآربه، فإنه يشهد أن لا إله إلا الله، فيعبد الله مخلصًا له الدين، مستعينًا بالله على ذلك مؤمنًا، بخلقه وأمره، بقدره وشرعه، فيستعين الله على طاعته، ويشكره عليها، ويعلم أنها منة من الله عليه، ويستعيذ بالله من شر نفسه وسيئات عمله، ويعلم أن ما أصابه من سيئة فمن نفسه، مع علمه بأن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأن لله الحجة البالغة على خلقه، وأن له في خلقه وأمره حكمة بالغة ورحمة سابغة. وهذه الأمور أصول عظيمة لبسطها موضع آخر.


الصفحة التالية
Icon