والمقصود هنا أن الخبر الصادق يتضمن جنس العلم والاعتقاد، والأمر يتضمن جنس الطلب باتفاق العقلاء، ثم هل مدلول الخبر جنس من المعاني غير جنس العلم، ومدلول الأمر جنس من المعاني غير جنس الإرادة، كما يقول ذلك طائفة من النظار مثل ابن كلاب، ومن وافقه ؟ أو المدلول من جنس العلم والإرادة، كما يقوله جمهور نظار أهل السنة الذين يثبتون الصفات والقدر ؟ فيقولون : إن القرآن كلام الله غير مخلوق، ويقولون : إن الله خالق أفعال العباد. والمعتزلة وغيرهم ممن يخالف أهل السنة في هذين الأصلين، فإن هؤلاء يخالفون ابن كلاب ومن وافقه في ذينك الأصلين؛ ولهذا يقال : إنه لم يوافقه أحد من الطوائف على ما أحدثه من القول في الكلام والصفات، وإن كان قوله خيرًا من قول المعتزلة والجهمية المحضة. وأما جمهور المسلمين من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية وطوائف النظار، فلا يقولون بقول المعتزلة ولا الكلابية، كما ذكر ذلك فقهاء الطوائف من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم في أصول الفقه، فضلاً عن غيرها من الكتب.
والمقصود هنا أن الناس متفقون على أن كلا من أنواع الخبر والأمر لها معان، سواء سمى طلبًا أو إرادة أو علمًا أو حكمًا أو كلاما نفسانيًا. وهذه المعاني تتفاضل في نفسها، فليس علمنا بالله وأسمائه/ كعلمنا بحال أبي لهب، وليس الطلب القائم بنا إذا أمرنا بالإيمان بالله ورسوله، كالطلب القائم بنا إذا أمرنا برفع اليدين في الصلاة، والأكل باليمين، وإخراج الدرهم من الزكاة.


الصفحة التالية
Icon