قال : وقد أجمع أهل السنة على أن القرآن صفة من صفات الله لا من صفة خلقه. قال : وإنما أوقعهم في تأويل ذلك قوله تعالى :﴿ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ﴾ [ البقرة : ١٠٦ ]، ولا يخلو معنى ذلك من أحد وجهين : إما أن تكون الناسخة خيرًا من المنسوخة في ذاتها، وإما أن تكون خيرًا منها لمن تعبد بها؛ إذ محال أن يتفاضل القرآن في ذاته على ما ذهب إليه أهل السنة والاستقامة، إذ كل من عند الله؛ لأن القرآن العزيز صفة الله، وأسماء الله وصفاته كلها متوافرة في الكمال، متناهية إلى غاية التمام، لا يلحق شيئا منها نقص بحال. فلما استحال أن تكون آية خيرًا من آية في ذاتها، علمنا أن المراد ﴿ بِخَيْرٍ مِّنْهَا ﴾ إنما هو للمتعبدين بها، لم ينقل عباده من تخفيف إلى تثقيل، ولكنه نقلهم بالنسخ من تحريم إلى تحليل، ومن إيجاب إلى تخيير، ومن تطهير إلى تطهير، والشاهد لنا قوله :﴿ يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [ النساء : ٢٨ ].
فيقال : أما قول القائل : لولا عذر الجهالة لحكم على مثبت المفاضلة بالكفر فهم يقابلونه بمثل ذلك، وحجتهم أقوى؛ وذلك لأن الكفر حكم شرعي، وإنما يثبت بالأدلة الشرعية، ومن أنكر شيئا لم يدل عليه الشرع بل علم بمجرد العقل، لم يكن كافرًا، وإنما الكافر من أنكر ما جاء به الرسول، ومعلوم أنه ليس في الكتاب والسنة نص يمنع تفضيل بعض كلام الله على بعض، بل ولا يمنع تفاضل صفاته/تعالى، بل ولا نقل هذا النفي عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا عن أئمة المسلمين الذين لهم لسان صدق في الأمة، بحيث جعلوا أعلامًا للسنة وأئمة للأمة.