وأما تفضيل بعض كلام الله على بعض، بل تفضيل بعض صفاته على بعض، فدلالة الكتاب والسنة والأحكام الشرعية والآثار السلفية كثيرة على ذلك، فلو قدر أن الحق في نفس الأمر أنها لا تتفاضل، لم يكن نفي تفاضلها معلوما إلا بالعقل لا بدليل شرعي، وإذا قدر أنها تتفاضل، فالدال على ذلك هو الأدلة الشرعية مع العقلية، فإذا قدر أن الحق في نفس الأمر هو التفضيل، لكان كفر جاحد ذلك أولى من كفر من يثبت التفضيل إذا لم يكن حقًا في نفس الأمر؛ لأن ذلك جحد موجب الأدلة الشرعية بغير دليل شرعي، بل لما رآه بعقله وأخطأ فيه، إذ نحن نتكلم في هذا التقدير. ومعلوم أن من خالف ما جاءت به الرسل عن الله بمجرد عقله، فهو أولى بالكفر ممن لم يخالف ما جاءت به الرسل عن الله، وإنما خالف ما علم بالعقل إن كان ذلك حقًا.
ونظير هذا قول بعض نفاة الصفات لما تأمل حال أصحابه وحال مثبتيها قال : لا ريب أن حال هؤلاء عند الله خير من حالنا، فإن هؤلاء إن كانوا مصيبين، فقد نالوا الدرجات العلى والرضوان الأكبر، وإن كانوا مخطئين، فإنهم يقولون : نحن يا رب صدقنا ما دل عليه كتابك /وسنة رسولك، إذ لم تبين لنا بالكتاب والسنة نفي الصفات، كما دل كلامك على إثباتها، فنحن أثبتنا ما دل عليه كلامك وكلام رسولك، فإن كان الحق في خلاف ذلك فلم يبين الرسول ما يخالف ذلك، ولم يكن خلاف ذلك مما يعلم ببداهة العقول، بل إن قُدر أنه حق، فلا يعلمه إلا الأفراد، فكيف وعامة المنتهين في خلاف ذلك إلى الغاية يقرون بالحيرة والارتياب ؟ ! قال النافي : وإن كنا نحن مصيبين، فإنه يقال لنا : أنتم قلتم شيئا لم آمركم بقوله، وطلبتم علما لم آمركم بطلبه، فالثواب إنما يكون لأهل الطاعة، وأنتم لم تمتثلوا أمري. قال : وإن كنا مخطئين، فقد خسرنا خسرانًا مبينًا.


الصفحة التالية
Icon