وهذا حال من أثبت المفاضلة في كلام الله وصفاته ومن نفاها، فإن المثبت معتصم بالكتاب والسنة والآثار، ومعه من المعقولات الصريحة التي تبين صحة قوله وفساد قول منازعه ما لا يتوجه إليها طعن صحيح. وأما النافي، فليس معه آية من كتاب الله ولا حديث عن رسول الله ﷺ ولا قول أحد من سلف الأمة، وإنما معه مجرد رأي يزعم أن عقله دل عليه، ومنازعه يبين أن العقل إنما دل على نقيضه، وأن خطأه معلوم بصريح المعقول، كما هو معلوم بصحيح المنقول. واحتجاج المحتج على نفي التفاضل بقوله :﴿ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ﴾ [ الحجر : ٩١ ] في غاية الفساد، فإن الآية لا تدل على هذا بوجه من الوجوه، سواء/أريد بها من آمن ببعضه وكفر ببعضه، أو أريد بها من عضهه فقال : هو سحر وشعر ونحو ذلك، بل من نفي فضل ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ على ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾ فهو أولى بأن يكون ممن جعله عضين؛ إن دلت الآية على هذه المسألة.
وذلك أن من آمن بما وصف الله به كلامه فأقر بأنه جميعه كلام الله، وأقر به كله، فلم يكفر بحرف منه، وعلم أن كلام الله أفضل من كل كلام، وأن خير الكلام كلام الله، وأنه لا أحسن من الله حديثا ولا أصدق منه قيلا، وأقر بما أخبر الله به ورسوله من فضل بعض كلامه، كفضل [ فاتحة الكتاب ]، و [ آية الكرسي ]، و ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، ونحو ذلك، بل وتفضيل [ يس ]، و [ تبارك ]، والآيتين من آخر سورة البقرة، بل وتفضيل [ البقرة ]، و [ آل عمران ] وغير ذلك من السور والآيات التي نطقت النصوص بفضلها، وأقر بأنه كلام الله ليس منه شيء كلامًا لغيره لا معانيه ولا حروفه، فهو أبعد عن جعله عضين ممن لم يؤمن بما فضل الله به بعضه على بعض، بل آمن بفضله من جهة المتكلم، ولم يؤمن بفضله من جهة المتكلم فيه؛ فإن هذا في الحقيقة آمن به من وجه دون وجه.


الصفحة التالية
Icon