وتأمل تقييده سبحانه شر الحاسد بقوله: ﴿ إِذَا حَسَدَ ﴾ لأن الرجل قد يكون عنده حسد، ولكن لا يرتب عليه أذى لا بقلبه ولا بلسانه ولا بيده، بل يجد في قلبه شيئًا من ذلك ولا يعامل أخاه إلا بما يحبه الله، فهذا لا يكاد يخلو منه أحد إلا من عصمه الله، وقيل للحسن البصري: ((أيحسد المؤمن؟ قال: ما أنساك إخوة يوسف" (٣١)، فالرجل إذا كان في قلبه حسن لكن يخفيه ولا يترتب عليه أذى بوجهه ما لا بقلبه ولا بلسانه وبيده بل لا يعامل أخاه إلا بما يحب الله، فهو لا يطيع نفسه، بل يعصيها خوفًا من الله وحياءً منه أن يكره نعمة على عباده، فيرى ذلك مخالفة لله وبغضًا لما يحب الله فهو يجاهد نفسه على دفع ذلك، ويلزمها الدعاء للمحسود بخلاف ما إذا حقق ذلك وحسد ورتب على حسده مقتضاه من الأذى بالقلب واللسان والجوارح، فهذا الحسد المذموم، هذا كله حسد تمني الزوال.
وللحسد ثلاث مراتب:
أحدهما هذه وهي تمني زوال النعمة.
الثانية:
تمني استصحاب عدم النعمة فهو يكره أن يُحدث الله لعبده نعمة، بل يحب أن يبقى على حاله من جهله أو فقره أو قلة دينه، فهو يتمنى دوام ما هو فيه من نقص أو عيب، فهذا حسد على شيء معدوم (٣٢)، والأول حسد على شيء محقق وكلاهما حاسد عدو نعمة الله، وعدو عباده محقوق عند الله وعند عباده.
الثالثة:
حسد الغبطة: وهو تمني أن يكون له مثل حال المحسود من غير أن تزول النعمة عنه فهذا لا بأس به ولا يعاب صاحبه، بل هذا قريب من المنافسة وقد قال تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: ٢٦].
وفي الصحيح عن النبي ؟ أنه قال: (لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها للناس) (٣٣).


الصفحة التالية
Icon