هذا (٣٧) معنى ربوبيته لهم وذلك يتضمن قدرته التامة ورحمته الواسعة، وعلمه بتفاصيل أحوالهم وبإجابة دعواتهم وكشف كرباتهم، وأضافهم في الكلمة الثانية إلى ملكة فهو ملكهم الحق الذي إليه مفزعهم في الشدائد والنوائب، فلا صلاح ولا قيام إلا به وأضافهم في الكلمة الثالثة ِإلى إلهيته، فهو إلههم الحق ومعبودهم الذي لا إله سواه (٣٨)، ولا معبود لهم غيره فكما أنه وحده هو ربهم ومليكهم لم يشاركه في ربوبيته ولا في ملكه أحد، فكذلك هو وحده إلههم (٣٩) ومعبودهم، فلا ينبغي أن يجعلوا معه شريكًا في إلهيته، كما لا معه شريك في ربوبيته وملكه، وهذه طريقة القرآن يحتج عليهم بإقرارهم بهذا التوحيد على ما أنكروه من توحيد الإلهية والعبادة، فإذا كان هو ربنا ومليكنا فلا مفزع لنا في الشدائد سواه، ولا ملجأ لنا منه إلا إليه ولا معبود لنا غيره فلا ينبغي أن يدعي ولا يخاف ولا يرجى ولا يحب سواه، ولا يذل لغيره ولا يخضع لسواه، ولا يتوكل إلا عليه؛ لأن من ترجوه وتخافه وتدعوه أما أن يكون مربيك والقيم بأمورك، فهو ربك فلا رب لك سواه أو تكون مملوكه وعبده الحق، فهو ملك الناس حقًا وكلهم عبيدهم ومماليكه، أو يكون معبودك وإلهك الذي لا تستغني عنه طرفة عين بل حاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى روحك وحياتك، وهو الإله إله الناس الذي لا إله لهم سواه فهم جديرون أن لا يستعيذوا بغيره، ولا يستنصروا بسواه فظهرت مناسبة هذه الإضافات الثلاث للاستفادة من أعدى الأعداء (٤٠) وأعظمهم عداوة، ثم أنه سبحانه كرر الاسم الظاهر ولم يوقع المضمر موقعه (٤١)، فيقول رب الناس وَمَلِكَهُم وإلههم تحقيقًا بهذا المعنى، فأعاد ذكرهم عند كل اسم من أسمائه ولم يعطف بالواو، لما فيها معنى الإيذان بالمغايرة وقدّم الربوبية؛ لعمومها وشمولها لكل مربوب وأخَّر الألهية لخصوصها؛ لأنه سبحانه إنما هو إله من عبده ووحده، واتخذ إلهًا دون غيره فمن لم يعبده ويوحده فليس بإلهه، وإن كان في الحقيقة