وفي أثر عن بعض السلف: ((أن المؤمن ينضي شيطانه كما ينضي الرجل بعيره في السفر (٥٢)))؛ لأنه كلما اعترضه صبَّ عليه سياط الذكر والتوجه والاستغفار والطاعة، فشيطانه معه في عذاب شديد.
وأما شيطان الفاجر فهو معه في راحة ودعة، ولهذا يكون قويًا عاتيًا شديدًا فمن لم يعذب شيطانه في هذ هالدار بذكر الله وتوحيده وطاعته، عذبه شيطانه في الآخرة بعذاب النار، فلا بد لكل أحد أن يعذب شيطانه أو يُعذبه شيطانه، وتأمل كيف جاء بناء الوسواس مكررًا لتكريره(٥٣) الوسوسة الواحدة مرارًا، حتى يعزم عليها العبد. وجاء بناء الخناس على وزن الفعّال الذي يتكرر منه نوع الفعل؛ لأنه كلما ذكر الله انخنس فإذا غفل العبد عاد بالوسوسة فجاء بناء اللفظين مطابقًا لمعنييهما.
وقوله: ﴿ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ﴾، صفة ثالثة للشيطان فذكر وسوسته أولاً، ثم ذكر محلها ثانيًا وأنها في صدور الناس.
وقد جعل الله للشيطان دخولاً في جوف العبد ونفوذًا إلى قلبه وصدره، فهو يجري منه مجرى الدم وقد وكل بالعبد فلا يفارقه إلى الممات.
ومن وسوسته أنه يشغل القلب بحديثه حتى ينسيه ما يريد أن يفعله، ولهذا يضاف النسيان إليه كما قال تعالى عن صاحب موسى: ﴿ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ﴾ [الكهف: ٦٣].


الصفحة التالية
Icon